My poems , short stories and thoughts

Wednesday, August 12, 2009

قصور من الرمال


أخيرا انتهت الدراسة ، و بدأت عطلة نهاية العام . كنت أنتظر هذه العطلة بشغف ، خاصة ً و أن أبي وعدنا هذا الصيف برحلة إلى أحد الشواطئ .
أمضيت طيلة النهار أسترجع ذكريات عطلاتنا الصيفية الماضية . استرجعت النشوة التي كانت تشملني عندما أرى خيط البحر ممتدا ً خلف البنايات ، مع اقتراب دخولنا المدينة بالأتوبيس السياحي .
مرت أمام عيني صور القصور التي كنت أبنيها من الرمال (هوايتي الشاطئية المفضلة) .. و التي كانت دائما ً ما تحظى باهتمام المارة على الشاطئ ، خاصة ً الأطفال (الذين تظل عيونهم تترقبنا حتى نغادر الشاطئ ، فيسوون بالقصور الأرض) . كنت أبكي حينها ، فيعدني أبي بتأجير دراجة ، نظل نلهو بها طوال الليل. هناك .. تعلمت ركوب الدراجة لأول مرة .
مساء هذا اليوم السعيد ، استلقيت على سريري ، وأطلقت لأفكاري العنان ، و بدأت الأفكار تتعاقب ، وتتلاحق ، و تتنافس .


في الصباح .. استيقظت على الصياح و الهتافات المنددة والمؤيدة . خرجت لأرى ما الأمر ، فوجدت اجتماعا ً مهيبا ً مكونا ً من أعضاء أسرتي ، وبرئاسة والدي .
الجميع يجلس على المائدة ، و بدلا ً من طعام الإفطار ، وجدت الأوراق و الملفات و الأقلام . لقد تقدم إخوتي بطلب للذهاب لأحد المصايف ، مرفقين طلبهم بدراسة شاملة للمدينة المرادة ، والأماكن الترفيهية الموجودة بها .
ما هذا بحق السماء !
لم أتخيل أن يتناول الجميع موضوع المصيف بهذه السرعة و هذه الحماسة . فبالأمس و بعدما فكرت في المدن المتاحة لقضاء العطلة ، سخرت من نفسي ، وظننت أني تحمست للموضوع زيادة ً عن اللازم . و الآن ، وقد تقدم الجميع بأوراقه (باستثنائي) ، لم أجد بُدا ً من الجلوس كمستمع .


جلست بجوار أختاي التوأم المتماثل ندى و سلمى . كانت أمي دائما ً تذكر أن ندى وُلدت أولا ً .. مما جعلها تتزعم هذا الثنائي الغريب . و من حسن حظي أني كنت أحظى بالرضى لديهما . فبالرغم من أني أكبرهما بعامين ، إلا أنهما تمثلان مركزا ً للقوى بالمنزل ؛ فرأيهما واحد ، و أفكارهما واحدة ، و اتجاهاتهما واحدة . و الأهم من كل ذلك انهما تضمان مصروفيهما ليصبح واحدا ً . لذلك فالحصول على رضاهما يعني الحصول على قروض طويلة الأجل بدون فوائد أو ضمانات .


عاد الصياح من جديد ، وعادت الهتافات عندما هم أبي لمعاودة الحديث ، وعندما بدأ ، ساد الصمت الجميع .
يملك أبي هيبة كهيبة القضاة .. لم ألحظها في صغري .. ربما لأنه لم يكن يملك حينها شاربه الكبير أو نظارته الطبية . يبيع أبي الملابس في متجره الخاص ، و بالرغم من صغر دخله ، لم يتأخر يوما ً عن تلبية مطالبنا .
" أما الآن فسأملي عليكم ما جاء في ملف ندى و سلمى " .. و بدأ الوالد العزيز يسرد ما كتبته أختاي عن مطروح ، و جمال مطروح ، و معالم مطروح ، و شواطئ مطروح . و بينما كان أبي يسترسل في قراءته ، كانت أمارات الفرحة و الحماسة تزداد على وجهيهما ، و كأن أبي قد وافق على طلبهما .
ملت على أذن ندى التي تجلس بجواري و قلت لها : " ما كل هذا يا ندى ؟ كيف عرفتم كل هذه المعلومات عن مطروح بالرغم من أننا لم نزرها من قبل ؟ "
ردت ندى : " إنها عملية بسيطة .. فبمجرد الدخول على شبكة الإنترنت ، ستجد أطنانا ً من المعلومات عن مطروح "
قلت لها : آه .. الآن فهمت .
قلتها و أنا أعض أصابع الندم على عدم تفكيري في الأمر كما فكر الجميع فيه . لكن من حسن الحظ أن أختاي اختارتا المدينة التي كنت سأختارها . و أكاد اكون متأكدا ً أنها ستنال موافقة العائلة ، لأن أختاي كما قلت تمثلان مركزا ً للقوى في المنزل .
انتهى أبي من قراءة الملف ، و ارتفع هتاف أختاي : " تعيش مطروح .. تعيش مطروح " . طرق أبي عدة طرقات على المائدة طالبا ً الهدوء (تماما ً كقاض ٍ في قاعة المحكمة) .


حتى تلك الحظة ، لم أكن أصدق ما يحدث ، ففي العطلات الصيفية الماضية .. عادة ً ما كان أبي و أمي يتفقان على أحد المصايف ، ونرضخ نحن لرأيهما دون أي مجادلة أو نقاش . لكن يبدو أن رياح الديموقراطية التي تهب في العالم من حولنا قد مست منزلنا ، فقرر أبي أن يكون اختيار المصيف هذا العام عن طريق التصويت .
و بينما كنت أفكر في صواب القرار .. و تملؤني الأمنيات أن يكون معبرا ً عن رغباتنا .. عاود أبي الحديث من جديد ، مُصدرا ً البيان الختامي للاجتماع ( بعدما لمح بفطنته أني لم أعد مشروعا ً لهذه الجلسة ) :
أبنائي الأعزاء .. رأيت أنا و أمكم العزيزة أن نترك لكم حرية التعبير عن آرائكم و آمالكم تجاه المصيف هذا العام .. خاصة ً بعدما لاحظنا اهتمامكم المتزايد بالفكرة خلال فترة الامتحانات ، إلا أن القرار في النهاية يعود إلينا ، و قد قررنا الآتي :
" إلغاء رحلة المصيف هذا العام نظرا ً للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد "

0 التعليقات: