My poems , short stories and thoughts

Monday, August 23, 2010

بشر .. و حيوانات أخرى

This painting was made by ~SpazzC .. source : deviantart
عصافير

أم ترتان لها هواية واحدة فقط .. التلصص على جيرانها . فبالرغم من أن لها طبيعة هادئة مسالمة يشهد عليها الجميع , إلا أنها تخفي وراءها غريزة حيوانية شرهة لمعرفة أسرار الآخرين . تستيقظ في الصباح الباكر , و تجلس في شرفتها برفقة كوب من الشاي باللبن , لتراقب محل البقالة أسفل العمارة . وفي وقت الظهيرة , تنتقل إلى الغرفة المجاورة لتراقب أطفال المدارس العائدين. في العصر .. تنتقل إلى المطبخ , و من خلال (المنور) الضيق , تعرف كل ما يدور في مطابخ العمارة . في المغرب تعود لمراقبة محل البقالة من الشرفة . أما السهرة , فتقضيها في نافذة غرفة النوم في نهاية الشقة , و التي تطل مباشرة على غرفة نوم عروسين حديثي الزواج في العمارة المقابلة . و لا تقتصر أنشطة الست أم ترتان على المراقبة فقط , فهي تستكمل ما لم تعرفه بوضع أذنها على الجدران المشتركة مع الشقق الأخرى , و الوقوف خلف باب الشقة عند سماع أدنى صوت على السلم لمعرفة الطالع و النازل , و الخارج و الداخل . إلا أن معرفة الأسرار ثم السكوت لا يشبع رغباتها الجامحة , و لا يوصلها لمرحلة النشوة , لذا فمن وقت لآخر .. تفشي بخبث أحد أسرارها أمام إحدى الجارات , و تفرح بشدة عندما ترى الدهشة ترتسم على الوجوه , و تطرب أذناها إلى الرنين الموسيقي للسؤال :
ـــ كيف عرفت ذلك يا أم ترتان ؟
هنا تحتل وجهها ابتسامة عريضة , و تصل إلى قمة نشوتها و هي ترد :
ـــ العصفورة قالت لي .
لكن الذي لا تعرفه أم ترتان أن هناك عصافير أخرى تنقل لي أسرارها , كما تنقلها لبقية الجيران .

الصرصور

بعد سنوات طويلة قضاها الرجل في تعلم كيفية تحريك الأشياء عن بعد باستخدام طاقته الكامنة , و كيفية الاستفادة مما تعلمه إيجابياً , قرر البدء في تطبيق ذلك . جلس القرفصاء , أغمض عينيه , و أخذ نفساً عميقاً , ثم بدأ يستجمع طاقته الكامنة شيئا فشيئا كما تعلّم . ركز طاقته في بقعة واحدة من جسمه , و لما أحس أنه استكمل تركيزها , فتح عينيه ليحدد هدفه . وجد صرصوراً يمشي جوار الحائط . وجّه طاقته نحوه , فارتفع الصرصور في الهواء وهو يتلوّى محاولا الفرار . و بحركة سريعة .. أرسل الرجل دفقة قوية من طاقته , دفعت الصرصور نحو الحائط , و فعصته في الحال .

العبد

في اليوم الأول .. شاهد رجل الغابة ثعبانا يبتلع فأرا كاملا دون ان يريق قطرة واحدة من دمه .. فأعجبته نزاهته , و قرر أن يعبده . في اليوم التالي .. رأى فيلا يدهس ثعبان الأمس .. فأعجبته ضخامته , و قرر أن يعبده . في اليوم الذي يليه .. رأى أسداً يطارد الفيل , و يفترسه في النهاية .. فأعجبته قوة الأسد , و قرر أن يعبده . و في اليوم التالي .. وجد رجلا يقذف الأسد برمح و يقتله .. فأعجبته شجاعته , و قرر أن يعبده . و بينما هو في الكهف ساهر على راحة معبوده الجديد , رأى بعوضة تلدغ الرجل لدغة قضت عليه .. فأدرك أن هناك من يسخر منه .

الكلب ذو القوائم الثلاثة

كانت المنطقة لا تزال محاطة بهالة من التوتر عقب الحادث الإرهابي الأخير , و هذا كان السبب وراء التوقف المفاجئ للميكروباص . طلب الضابط من الركاب إظهار بطاقاتهم , و راح يتفحصها بعناية و هو يتمنى من أعماق أعماقه ان يتعثر في أي مشتبه (يخزي عين) الباشا الكبير . ابتسم الضابط في مكر و هو يتفحص بطاقة الشاب الجالس في نهاية الميكروباص :
ــ انت دخلت الجيش يا بني ؟
ــ لا يا باشا .. أنا أخذت إعفاء .
ــ و ما السبب إن شاء الله ؟
ــ أصلي (لا مؤاخذة) عندي رجل واحدة .
ألقى الضابط نظرة سريعة على رجل (المشتبه) ليتأكد من صحة كلامه , إلا ان منظر الساق الغائبة لم يغير شيئا من ابتسامته الماكرة , بل على العكس , فقد انفرجت شفتاه أكثر , حتى كاد لعابه يسيل عبر تلك الانفراجة .
ــ و أين شهادة الإعفاء يا حبيبي ؟
ــ ..........
ــ انطق .. أين الورقة ؟
ــ الورقة في البيت يا باشا .
ــ و لماذا تركتها في البيت يا روح ماما ؟ خائف عليها تتكرمش !
ــ أصل رجلي واضحـ ..
ــ انزل لي هنا حالا .
نزل الشاب بصعوبة من الميكروباص .. بينما طرق الضابط على جانب العربة طرقة عنيفة ليبتعد السائق و يستكمل طريقه . التفت الضابط مرة أخرى إلى الشاب الذي بدا ثابتا و هو متكئ على عكازه .. على عكس ما قد يفعله البعض من البكاء و الاستجداء. لم يسترح الضابط لهذا الثبات , فصرخ في وجهه :
ــ تعال ورائي يا ابن الحلوه
لكن الشاب لم يستجب له , و طرح عكازه أرضا , و احمرت عيناه حتى تطاير الشرر منهما . و في لحظات امتلأ وجهه و ذراعاه بشعر كثيف , و فتح فمه فبانت أنيابه الحادة , و جاء رده في صورة نباح مرعب زلزل الضابط حتى ابيض شعر رأسه . كان الشاب قد تحول إلى كلب مخيف له ثلاثة قوائم . وثب الكلب على الضابط الذي شـُل في مكانه , و راح ينهش في لحمه , ويعبث في دمائه التي تفجرت على قارعة الطريق المظلم . و خلال دقائق , كان كل ما تبقى من الضابط هو حفنة من العظام , و بضعة قصاصات من ردائه الميري . في اليوم التالي , مات ضابط آخر بنفس الطريقة . و في اليوم الذي يليه تكررت الحادثة , حتى ساد الذعر بين رجال الأمن , و نسي الجميع الحادث الإرهابي الأخير , و صار الكلب المسعور ذو القوائم الثلاثة حديث جميع أهالي المنطقة .. و ضباطها !

الدود
يجلس الرجل الذي تجاوز السبعين على سريره في عنبر الجراحة بقصر العيني , مستسلما لأيدي الأطباء من طلبة الفرقة السادسة و هي تتحسس بشراهة الورم المتسرطن الذي توغل في صدره حتى ظهر على السطح . يلاحظ الرجل زميلنا الملتحي منتظرا دوره في الفحص , فيوجه إليه الكلام ...
ــ أتعرف يا بني .. كان هناك نبي من الأنبياء .. لا أتذكر اسمه .. كان عنده كل أمراض الدنيا , حتى صار أسيرا في فراشه بعدما كان عزيز قومه ..
ــ نعم .. أنت تقصد النبي أيوب .
ــ حسنا .. و ذات يوم , رأى الدود ماش على الأرض بجانبه , فناداهم : تعالوا .. تعالوا .. لم يتبق إلا أنتم ..
ضحك زميلنا و ضحكنا , بينما لاحظت الطبيبة المشرفة تعطل طابور الفحص . فلما سألت زميلنا عن السبب .. رد :
ــ لا شيء يا دكتورة .. الحاج فقط يذكرنا بأننا مثل الدود .

قابيل .. و الغراب

في الوقت الذي ثقب فيه منقار الغراب رأس غريمه .. كانت فأس قابيل قد هشمت رأس أخيه هابيل . هلع الاثنان لما أدركا فعلتيهما , و احتارا في أمر الجثتين . جر قابيل جثة أخيه إلى الصحراء . فقلده الغراب , و جر جثة غريمه لنفس المكان . و بعد تفكير طويل .. توصل قابيل إلى طريقة للتخلص من الجثة . قام بتقطيعها إلى قطع صغيرة , و طوح بكل قطعة في ناحية من الخلاء . كان الغراب يراقب قابيل و هو يفعل ذلك , لكنه استنكر فعلته , و قرر أن يدفن جثة غريمه في التراب .